تحويل الحواجز في الحياة يغير من الفرص المتاحة.
ما هو القاسم المشترك بين القهوة، والكيمياء والخوارزميات واختبار المخدرات والطائرة؟ يرجع الفضل في وجودها إلى العلماء المسلمين!
كانت بغداد العاصمة الإسلامية تحت الخلافة العباسية (750-1258)، تعتبر بمثابة المركز العالمي للعلماء. جلبت مدارسها بموقعها الجغرافي في مفترق الطرق، طلابا من بلدان بعيدة مثل اليونان والصين. وظهرت مراكز إسلامية للدراسة متنافسة في كل من إسبانيا، ومصر وفي وقت لاحق في تركيا. ولقد كانت نتائج هذا البحث العلمي الإسلامي المتدفق ظهور مجموعة من الابتكارات، والتي أصبحت أسسا للعلوم التي نعرفها اليوم.
وعلى سبيل المثال فالكلمة الحديثة “الكيمياء“، أتت من الكلمة العربية كيميا، ولقد كسب الكيميائيون المسلمون المصداقية من خلال الإجراءات العملية الأساسية الرائدة للبحوث الكيميائية الحديثة، مثل التسامي والتبلور والتقطير. كتب جابر بن حيان أحد كيميائي القرن الثامن، حرفيا النص الكتابي: ترك وراءه النصوص التي أصبحت فيما بعد أساسا لدراسة الكيمياء للسنوات 500 المقبلة.
يعتبر عالم الرياضيات وعالم الفلك الخوارزمي من بغداد من بين الأوائل الذين استخدموا الصفر باعتباره كعنصر نائب، ومنح اسمه للكلمة الحديثة “الخوارزمية“.
كتب أحد رواد علم وظائف الأعضاء المسلم، الفزيائي الفارسي زكريا الرازي أول دليل للتطبيب المنزلي وكان أيضاً من بين الأطباء الأوائل الذي قام بتسجيل العوامل النفسية بخصوص صحة مرضاه. كتب ابن سينا موسوعة الحجم 14 التي ظلت كنص مركزي في العديد من المدارس الطبية حتى القرن 17 الميلادي. تعتبر توجيهاته لاختبار عقاقير جديدة مشابهة جدا لعملية لا تزال تستخدم حتى اليوم، أي منذ أكثر من مرور ألف سنة.
وكان علماء المسلمين أيضا من رواد الهندسة والتصميم، وإنشاء المباني العالية والتي لا تزال تذهل المشاهدين إلى يومنا هذا. وعلى سبيل المثال فالمهندس المعماري العثماني سنان، قام بإنشاء القباب–المليء –الضوئي–الأكبر في العالم في الوقت الذي كان قد بدأ فيه التحرك في الفضاء.
كل هذه الابتكارات تمت تغذيتها من قبل ثقافة الإسلام. الإسلام هو الدين الذي يقدر قيمة الكلمة المكتوبة: ككلمة مباشرة من الله، فالقرآن الكريم جوهري في ممارسة الإسلام والمؤمنون يتعلمون قراءته في نسخته العربية الأصلية في جميع أنحاء العالم. وهكذا، فإن مجيء الإسلام زاد وبشكل كبير من معدلات معرفة القراءة والكتابة وقام بتوحيد العالم الإسلامي الشاسع من خلال لغة مشتركة، وكذلك من خلال تقديس الكتابة. ولقد خلق هذا بيئة مثالية للبحث العلمي. وتكلم الإسلام أيضا إلى المؤمنين مباشرة حول قيمة الدراسات. “الحبر الباحث هو أقدس من دماء الشهداء. لا شك أن قول الرسول (ص) ” الله أعطى لكل داء دواء “، قد شجع قارئي القرآن والأطباء المسلمين.
واليوم، لم نعد نرى الإسلام كما كان من قبل كمحرك كبير للابتكار العلمي. أتت الأديان عموما ليتم اعتبارها منفصلة عن الاهتمامات العملية للحياة اليومية، وتبدو التقاليد الروحية في جوهرها أحيانا مهددة من طرف وتيرة التغيير العلمي.
العلوم الإسلامية ليست ميتة، ولكن! هناك العديد من المسلمين الذين يعملون اليوم في العلوم والطب والتكنولوجيا. هل تعلم أن الدكتور أوز، الذي يحاول الكثير من مشاهدي التلفزيون الحصول على المشورة الطبية منه، هو مسلم؟ وأن المسلم الأمريكي فؤاد الحبري كان الرئيس التنفيذي للشركة التي طورت لقاح الجمرة الخبيثة الذي أثار نقاشاً واسع النطاق –وتم الاعتماد عليه خلال فترة الجمرة الخبيثة قبل بضع سنوات. هذين مثالين فقط من بين عدة أمثلة تخص العلماء المسلمين المعاصرين.
إذا ذهبنا أبعد من ذلك، نجد، أن بعض المسلمين يحاولون ربط إيمانهم مع أبحاثهم لخلق موجة جديدة من العلوم الإسلامية. يأملون بأن تصبح أبحاثهم أكثر قوة وذات قدرة تحويلية حين تتماشى مع روحانيتهم. هناك مصاحف رقمية وتطبيقات تخص الهواتف الذكية التي تساعد المستخدم على تحديد موقع أقرب مسجد أو متجر المنتوجات الحلال، فضلا عن الأجهزة الرقمية التي تشير باستمرار نحو مكة المكرمة.
أحد الأمثلة الصارخة لهذه النزعة الجديدة هو أول سجاد فسيولوجية للصلاة في العالم الذي تم تطويره من طرف الشركة الكندية تايمزفايف والذي اعترفت به القمة العالمية للاقتصاد الإسلامي 2013 بمثابة ابتكار عالمي. عصر الفضاء هذا، تهدف من ورائه التكنولوجيا المستوحاة من ناسا (NAZA) إلى جعل الصلاة اليومية جد سهلة. يستعمل المسلمون سجادات الصلاة، والتي تسمى أيضا بسجاد الصلاة، وذلك قصد خلق النظافة ومساحة نظيفة للوقوف والركوع والسجود خلال أوقات الصلاة.
يستخدم سجاد تايمزفايف الفسيولوجي للصلاة منظومة الطبقة الخامسة ومواد عالية الأداء لاستقرار الحركة، ودعم حالة الجسم واستيعاب الوزن، حتى عندما يتم التركيز على بعض النقاط، كما هو الحال عند الركوع.
يقول مطورو الشركة عن هذا المزيج من التقاليد والابتكار، الذي يطلق عليه اسم “التجربة الفزيائية الروحية،” بأنه سيسمح للمصلين بمزيد من الراحة مع التخفيف من الألم والتعب.
يعتبر هذا العمل جديداً وقديماً على حد سواء: من علوم الكيمياء التي وصلت الى خلق موادها من أجل الخوارزميات المستخدمة لحساب آثار الوقوف المريح والركوع، وكيفية السجود، ويقول الباحثون في TIMEZ5 أنهم كانوا واعون بالبناء على خيوط التقليد العلمي الإسلامي التي تعود إلى زمن أجدادهم. يقولون بأن الابتكار الإسلامي، يشكل الحمض النووي لشركاتهم.
كان الإسلام، منذ نشأته، محركاً قوياً للابتكار العلمي. إن تلك الجودة في هذه الأيام أقل حظوراً، ولكن هناك جيل جديد من الباحثين يشتغل على إعادتها من جديد، وذلك من خلال ضم إيمانهم إلى تكنولوجيا عصر الفضاء، آملين في خلق العصر الذهبي الثاني من العلوم الإسلامية. قد تؤدي النتائج إلى طريقة جديدة كاملة للنظر إلى كليهما.